الشعائر والثورية بين الصميم واللصيق!

من أهم مواقع الخلاف بين الشيعة الملتزمين بالأصول العقائدية والشرعية، وبين تيار الحداثة والتطوير الديني المنفلت والمتحرر من أي قيد ديني وعلمي، في أمر الشعائر الحسينية… أنهم يرمون الشيعة والموالين بأداء تعبدي عاطفي يفرغ الشعائر من عطائها الرسالي، وبالتحديد: الثوري.
ويتمادى بعضهم فيعرّض بالباكين على سيد الشهداء واللاطمين والجازعين ولا سيما المطبرين، بأنهم من القاعدين الخانعين، وسمعت أحدهم، يتحامل ويرميهم بالفرار من الزحف وترك الدفاع عن حرم السيدة زينب عليها السلام، وسمعت آخر (في فيديو مُعد بالفارسية بحِرَفية وإتقان مخابراتي) يلعنهم ويشتمهم ويقسم بأن لا رجل في المطبرين!

والحقيقة أن هذا الخطاب يمكن فهمه وهضمه عندما يصدر من شخص مثل السيد حسن نصرالله (الذي لم يفعل ولم يخض في هذا اللهو، فهو في شغل وغنى عن هذا الاتجار!)، ومن على شاكلته من الثوار والقادة المجاهدين.. لكن أن يصدر عن شيخ لم يحمل في حياته سلاحاً، ولم يعرف جبهة وقتالاً، ولم يسجن أو يعتقل يوماً واحداً، ولم يُلاحق مرة، وما يزال يقضي حياته في رفاهية من العيش، وادعاً فاكهاً، يتسنم أكبر المناصب، ويتقاضى أعلى الرواتب، لا لكفاءة وعلم واستحقاق، بل لدور وضيع قذر، هو كل عطائه وجلّ ما قدّمه للثورة، يتمثل في كتابة التقارير الأمنية بحق منتسبي الحوزة العلمية في قم، وتخويف طلبة العلم العرب هناك وإرعابهم!… مثل هذا الشخص المتطفل المستأكل بالثورة، يرمي الحسينيين الولائيين بالجبن والقعود عن الجهاد.. هذا من هوان الدهر وعلامات آخر الزمان، ومنها حكم الصبيان ودولة الغلمان!

والغريب أنهم يعلمون جيداً أن مئات المجاهدين المرابطين لحماية حرم السيدة زينب عليها، من السوريين والأفغان والعراقيين وغيرهم، هم من المطبرين، بل قادة هيئات العزاء، وقد ارتحل كثير منهم شهداء وزفوا إلى الجنة وهم مضمخين بدماء الشهادة والتطبير معاً، فحازوا الفخرين وكللوا بالتاجين، عزّ الجهاد وشرف خدمة الحسين.

وإن فاتت القوم هذه الحقيقة، فكيف تعمى أبصارهم عن مئات آلاف الحسينيين في العراق، الذين لبوا نداء المرجع الأعلى السيد علي السيستاني للجهاد، ونفروا خفافاً يتصدون للتكفير والإرهاب، وهم جميعاً من القائمين بالشعائر الحسينية التقليدية وأصحاب هيئات ومواكب لطم وتطبير وإطعام وزيارة؟!

وعلى الرغم من كل ذلك، تجد أبواقهم الرخيصة تتجاهل هذه الحقائق وتعود لتسفه وتلعن المعزين ولا سيما المطبرين، وتفتري عليهم بأنهم ليسوا مجاهدين؟!

هل عميت الأبصار بعد البصائر؟! هل غلبهم الغل وقهرهم الحسد فما عادوا يبالون بالكذب والدجل؟! أم هي مدرسة قوامها هذا الأداء، فلا أدلة يملكون ولا بفكر يتمتعون، فلا حيلة إلا هذا النصب والتدليس والاحتيال؟!..

ثم تعال إلى دعاة الثورية والمنادين بتوظيف الشعائر لصالح خطاب ثوري… لتجد مهزلة تضحك الثكلى! فأنت لا ترى فيهم إلا مستظلاً تحت مظلة الطواغيت في بلدانهم، ومنهم وزراء ونواب وتجار وكتاب وأكاديميين، إن تفوقوا في شيء ففي الاتجار والانتهازية والوصولية! وهم جميعاً داخلين في صميم الولاء لحكومات الجور، منخرطين في أنظمتها غير الشرعية، منغمرين في الدنيا بأقذر صورها وأخس مظاهرها… فأين الخطاب الثوري لعاشوراء عن هؤلاء؟! كيف لأحدهم أن يحمل قلمه ويخط كل ذاك الهراء، وهو في صميم “القعود” ولم يمارس في حياته ـ ولا لمرة واحدة ـ فضيلة الجهاد؟! لست أدري، ولكنه الحديث الشريف: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

إن المثقفين والمعممين من وعاظ السلاطين وأعوان الظلمة، الداخلين في أنظمة الجور (بأشخاصهم أو أحزابهم أو مواقفهم)، المطأطئين رؤوسهم في ذلة وخنوع، ما بلغ بهم التخلي حتى عن سمة المعارضة الظاهرية، فدخلوا في تصنيف “الحكوميين” رسمياً.. ليس لهم إلا أن يصمتوا ويخرسوا، وإن أبوا فليأكلوا ما يملأ أفواههم ويشغل ألسنتهم ويمنعهم من هراء الفسقة وابتذال الفجار ومجون المتهتكين.

قد ينطلي الأمر على الشباب الذين لم يواكبوا الثورة الإسلامية في عصرها الأول، ولم يعيشوا ويدركوا منها إلا زمن الرخاء والأمان والراحة، ولم يعرفوا أحداً من أبطال النضال وفرسان الكفاح وحملة رايات الجهاد، من السابقين الأولين في هذا الحقل العصيب، فلم يملكوا حسها ولا استشعروا نبضها، ففقدوا القدرة على معرفة معالمها وتمييز رجالها، فاختلط عليهم الضبع بالسبع والهر بالأسد…

إلى هؤلاء المستضعفين أوجه خطابي: إخواني وأبنائي، اعلموا أن أغلب الذين ترون من حملة راية حرب الشعائر بحجة الثورية والعطاء الثوري لنهضة الحسين، كانوا ضد الثورة وضد شخص السيد الإمام الخميني! وفي أحسن الحالات كانوا يقفون على التل، ويقبعون على مقاعد المتفرجين… ولا يكتفون حتى يرجفوا في المدينة ويتربصوا بنا الدوائر!
لم يجاهدوا حين كانت سوح الجهاد مشرعة، ولم يساهموا في الثورة ولم يتحملوا شيئاً من أعبائها، لا كابدوا ولا قاسوا، لا عرفتهم جبهة ولا انخرطوا في خلية، لا نطقوا وهتفوا لنصرتها، ولا خطّوا وكتبوا في الدفاع عنها…
لذا تراهم يتاجرون بها ويبيعونها بأرخص الأثمان، ولا يبالون بسحق مكتسباتها وابتذال قيَمها، ولا يعنيهم تفرق أتباعها عنها وانحصار “أنصارها” في مداهن ومتملق وتاجر ومتسلّق..
ما رأيت شريفاً، وإن كان من المؤمنين بالسيد الخامنئي والخاضعين لسياسة إيران، إلا تنزّه وتجنب المس بالشعائر ما استطاع، كما لم أر أحداً من المنبرين لهذه الحرب القذرة وذوي الرايات في هذا الماخور الموبوء، إلا كان وضيعاً حقيراً من أدعياء الثورية، والمستأكلين بها…

في زمن نُفي فيه الصميم وقرّب اللصيق، وأُقصيت فيه الرؤوس وارتفعت الأذناب، ونُحّي الأشراف وترأس الحثالات… بات حقيقاً أن يُسقِط صفة الثورية وينفيها عن ابن بجدتها رخوٌ متميع رقيع لا ناقة له في الثورة ولا جمل، ويسلبها عن أهلها الذين نهضوا بها في زمن الحرب والتضحية والبذل والعطاء، هرٌّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد…
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

رأي واحد حول “الشعائر والثورية بين الصميم واللصيق!

  1. يبدو أن نصر الله هذه الأيام لم يعد بغنى عن هذا الإتجار ! فخاض وخاض وخاض .. وفي الفتنة قبعّ

    إعجاب

التعليقات