«طقسنة» “الأخبار” و«شرعنة» التزييف

من أخبث عمليات الإضلال والطمس الإعلامي التي يقوم بها التيار “الحداثي” الذي يناصب العقائد الدينية والشعائر الحسينية العداء تحت شتى العناوين، كعدِّها رجعية متخلّفة، أو غير منطقية ومخالفة للعقل، أو مشوِّهة للدين، أو أنها ملازمة للقعود وتحول دون الحركة والجهاد… السعي لإظهار أو الإيحاء بأن من يقف (بالفكر والفقه، وبالتوجيه والقيادة، والإدارة والحركة) خلف الجبهة التي يحاربون، هي الجماعة الشيرازية! وأن “الولائيين” و”الحسينيين” ينحصرون ويتلخصون في أتباع هذه الفئة أو المنقادين لها!

ولا يخفى أنها فرية “استحلاها” القوم واستساغوها! إن لم يكونوا هم وراءها، والذين دفعوا لها، لغاية في نفوسهم لا تغيب عن الأكياس، كما يظهر من المقالة الأخيرة التي نشرتها صحيفة “الأخبار” اللبنانية: “الشيرازيون و«طقسنة» التشيّع”، لكاتب يدعى: عبدالله العلوي، والأخرى التي انتشرت كردٍّ عليها

إن تصوير الواقع وإظهار المشهد في المعركة التي تدور رحاها بين المؤمنين الملتزمين وبين الحداثيين المنحلّين، بصورة مزيفة تشكل قفزاً وقحاً على الواقع، ومصادرة فجّة للحقيقة.. شيء أشبه بفرية تاريخية سابقة أنزلها إعلام السلطة بـ “الرافضة”، روّجها علماء السوء وسوّقها الحقد الطائفي، بأن التشيع حركة شعوبية أسسها عبدالله بن سبأ! وأن لا خلاف بين الصحابة ولا نزاع، بل نسب ومصاهرة، وتبادل في إطلاق الأسماء، هذا ناهيك بنفي النص على الخلافة، وجحد تعيين أميرالمؤمنين عليه السلام في الغدير، وما إلى ذلك مما نرى ونشهد.

ليست هناك إحصائيات دقيقة أو استبيانات علمية تكشف حجم المرجعيات الشيعية (الأصيلة الحقيقية منها، والمدّعاة المزيفة)، ما يرسم نطاق نفوذها ومدى تأثيرها وسلطتها الروحية على الساحة، لكن يمكننا أن نسوق شواهد ونستدل بقرائن تكشف حجم التيار الشيرازي، إذا ابتعدنا عن الإعلام، وخلصنا عقولنا عن الاغترار بالانتفاخ والورم الذي تصنعه الفضائيات، وقرأنا الساحة بمعطيات موضوعية ومؤشرات تحترم عقول الناس…

فعلى سبيل المثال طالب العلم الخليجي الذي يدرس المقدمات في حوزة النجف الأشرف يتقاضى راتباً شهرياً من السيد السيستاني يبلغ معدله ٤٠٠ ألف دينار عراقي، بينما يصرف له السيد صادق الشيرازي ٣٠ ألف دينار فقط لا غير.. وليس لكرم ذاك وبخل هذا، بل من حجم الحقوق الشرعية الواردة لكل مرجع، ما يكشف بالتالي أعداد مقلديه، ومن ثمّ قوته ومدى تأثيره في الساحة الإيمانية

في عام ٢٠٠٥ قرر الإخوة الشيرازيون أن يخوضوا الانتخابات البرلمانية العراقية في قائمة مستقلة عن القائمة التي كانت تجمع التيارات الشيعية، والتي كانت قد منحتهم في الدورة السابقة مقعدين (وفقاً لتقديرات حجمهم ووجودهم في الساحة)، فماذا جرى؟! خاضوا الانتخابات باسم قائمة الائتلاف الإسلامي الذي ضم: منظمة العمل ورابطة علماء الدين وحركة الرفاه والحرية واتحاد الهيئات الحسينية والرابطة الإسلامية للطلبة، وغيرها.. بدعم ورعاية السيدين صادق الشيرازي وتقي المدرسي. ماذا جرى وعلى ماذا حصلوا؟ لم يتمكنوا من تحقيق أي نجاح وكان حظهم من المقاعد صفراً! حتى في كربلاء التي توصف بأنها معقل الشيرازية ومدينتهم، منوا بخسارة مدوية وهزيمة نكراء، أصابتهم بانتكاسة نفسية وعقدة صرفتهم عن أي مسعى قادم، وجعلتهم يهربون عن أية ساحة تتطلب تصويتاً وانتخاباً يكشف الأحجام بشكل علمي وبالأرقام التي لا تقبل الاحتيال بالإعلام والاختفاء وراء الصوَر الوهمية.

ويكفينا ما سجله العالم أجمع منذ خمسة أشهر، حين نادى السيد السيستاني بالجهاد أو الدفاع، فانتفض العراق بأسره وهبت الملايين، وخُلق مد جماهيري ثائر مسلّح، تحتاج الدول في تعبئته إلى حملة إعلامية وثقافية واقتصادية تكلفها المليارات وتستغرق أعواماً حتى تحقق عُشره! وإذا بشخص واحد، في جملة واحدة، يشعل لهيب الغيرة ويذكي الحمية ويوقد المسؤولية في ثلاثة ملايين نسمة، ولولا إعلان الاكتفاء لما بقي رجل في لعراق في داره وعلى رأس عمله.. هكذا أوقف السيد السيستاني تقدم داعش، ومنع سقوط بغداد بيد الإرهابيين..

إن الساحة الشيعية يقودها في الواقع (البعيد عن زيف وتهويل الإعلام) الحوزة العلمية والمراجع العظام، ولا سيما المرجع الأعلى للطائفة، وهو الذي يرعى ـ في المجموع ـ التوجه الفكري والمسيرة الدينية للشيعة، لا الأحزاب والمنظمات، ولا الصحافة والفضائيات، ولا المرجعيات الوهمية…

إن ٩٥٪ من الناهضين بالشعائر الحسينية من لطم وجزع وتطبير يقلدون المراجع العظام: السيستاني ولوحيد والحكيم والروحاني وبشير والفياض.. ومن الماضين: الخوئي والخميني والميرزا التبريزي… من هؤلاء يستقي الشيعة أحكامهم، وينطلقون في ممارسة شعائرهم الدينية..

لا أريد أن أبخس الإخوة الشيرازيين دورهم ونشاطهم المشهود في ميدان الشعائر، لكن يجب وضع الأمور في نصابها، وإنزال كل في موقعه ومقامه وحجمه، ما يقطع الطريق على التغرير والإضلال الذي يريد أن يبتر هذه الممارسات المقدسة عن عمقها الفكري والفقهي، وأن نبين بوضوح وجلاء أنها ممارسات تستمد مشروعيتها من مدرسة الأصالة التي تضرب بجذورها إلى عمق عهد الطوسي والمفيد والحلي، حتى الجواهري والأنصاري، فالميرزا النائيني وآغا ضياء العراقي وأمثال هذه الأساطين والأعلام التي لا يطالها شك في علمها وعدالتها. في التشيع لا يسمح لأحد أن “يطقسن” على هواه وسقيم مزاجه، ويبتدع بما يخدم أغراضه ومصالحه… هنا الأصالة والنقاء الذي قُدِّم على مذبحه وفي سبيله القرابين تلو القرابين من شهداء الفضيلة، وحمىً منيع تكلؤه العناية الخاصة لقطب رحى عالم الإمكان، إمام العصر والزمان الحجة بن الحسن العسكري عليه آلاف التحية والسلام.

التعليقات