المكابرة وثقافة الاعتذار… أمة لعنتها الزهراء! (١)

استوقفني رجل كبّ على وجهه في حماقة عُدم نظيرها، شتم بها جميع الشيعة بأقذع سبة.. ثم عجز عن أدنى اعتذار، وضعف عن أقل توبة واستغفار، ومضى الأمر بلا حساب ولا عقاب، وكأن العقول تعطلت والمشاعر تيبَّست، وما زالت عرائض التسويف ولوائح التسويغ والتعليل تترى.. حتى تحسب أن الطائفة أخطأت في غضبتها حين قال فيها صاحب النيافة: أبناء حرام!

وقد سبقه كثيرون، منهم “معمم” آخر (عربي شيعي) يكابر بصلافة النواصب ويعاند بجلافة الأعراب، فيهتك كل القيم والمبادئ التي عرفها ودرسها ونشرها، لأن وضع ـ ما يسميه ـ بالمؤسسة الدينية لم يسمح له بتحقيق طموحه في الزعامة والرئاسة… فحمل عموداً من حديد، وراح يخبط كل شيء ويحطم كل بناء، حتى نسب التشيع إلى اليهودية والمجوسية؟!

ولا من بصيص ضمير يضيء في آخر هذا النفق المظلم بالنفاق، ولا من عِرق حياء ينبض في هذه الجثة المنتنة وهي على قيد الحياة!؟.. ووجهٌ بال عليه إبليس وأقسم أن لن يفلح أبداً.

ترى ما السر في عجز شعوبنا العربية عن ممارسة الاعتراف بالخطأ ثم الاعتذار؟ وكذا الاعتراف بالهزيمة ثم البناء؟!

لماذا نهضت شعوب وبلاد هزمت في حروب وانهارت في محن وبلاءات، حتى قربت من المحق والزوال، فتلقت النتيجة بتعقل وإذعان، استسلمت وطأطأت برأسها، وخضعت، وقل إن شئت ذلت.. حتى لعقت جراحها وعالجت آلامها واستجمعت قواها ونهضت من جديد… فكانت ألمانيا واليابان، وكوريا وتايوان، وحتى فيتنام، هذه المغلوبة على أمرها، لها اليوم موقع في العطاء والإنتاج، ما يميزها ويجعلها في معايير الإنسانية متفوقة على انحطاط العرب وذلهم الواقعي الذي يدارونه
بنفخ الصدور وفتل الشوارب، وتبختر هرٍّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد؟! لا علم ولا فضل ولا عطاء، لا تطور ولا صناعة ولا إنتاج، لا علاج ولا دواء ولا اكتشاف، استهلاك واستنزاف، هدر وتخلف وسرقات، لهو وفسق وفساد.. ثم تعالٍ وزهو ومكابرة تأبى الاستسلام، ولا تريد الخضوع والاعتراف!
من أين جاء هذا الكبر والخيلاء؟!
وما هذه الصلافة والوقاحة والغباء؟!

والمفجع أنه سلوك عام و”ظاهرة” لا تقف عند القادة والزعماء والمسؤولين والوزراء، بل تسري حتى إلى البيوت والعائلات، فلا أحد يعترف بخطئه ولا أحد يقدم اعتذاراً على ظلم وقع منه، لا الزوجة تقيل زوجها، ولا الأب يتنازل عن سلطانه، ولا الأبناء يشعرون بجرائمهم وما يسببونه من مآسٍ، الجميع ماض في دربه، معانداً مكابراً… يتجاوز أحدهم مركبتك ويتخطى حقك في المرور، وهو يشمخ بأنفه، فسيارته الفارهة تكشف عن طبقته المحصنة التي تقيه رد فعلك، ويخبطك آخر وهو يسير في السوق حتى يكاد يخلع كتفك، ولا يجشّم نفسه عناء كلمة: آسف! بل يرمقك شزراً، مستنكفاً متأففاً، لكن ليس متأسفاً، وحاشا أن يكون معتذراً، فهو ذو بسطة في الجسم، تحصنه من خطر العراك وتأمنه الانتقام.

ووزير يدمر البلاد ويهلك العباد نتيجة فشله وتقصيره، بل فساده وخيانته، فيخسر الوطن ملياراً في مشروع سلقه فبلعه وأهدره، وكان في أحسن صورة عرضه وصوّره.

ويلقم آخر البحر مئات الأرواح، في طائرة منكوبة وسفينة وعبّارة غارقة، حمّلها حجاجاً أو مهاجرين يفرون من جحيمه، فلا يسهر له جفن، ولا تطرف له عين! وما زال يقدم عرائض الحجج والتعليلات ومعلقات الأعذار التي تجعله في النهاية دائناً لا مديناً… فإذا قارنته بوزير المواصلات الياباني الذي قدم استقالته لخطأ تقني أو عطل فني تسبب في حادث قطار نتج عنه ستة جرحى وتأخر الموظفين عن الوصول إلى مكاتبهم! فاستقال الرجل ثم وضع نفسه في عهدة القضاء وحرك الدعوى الجزائية ضد نفسه لينال جزاءه (ناهيك بقرينه الذي انتحر كساموراي شريف!)… تعلم أن هناك خللاً في البنية الفكرية، بل في الروح والطبيعة، وأن ثمة مسخاً حيوانياً أو شيطانياً طال هذه الأمة واستحوذ عليها! وهي ما زالت تتبجح وتتفلسف.

هل عليك أن تكون بوذياً يؤمن بالتناسخ، فيتطلع إلى حياة أفضل في دنياه القادمة التي ستنتقل إليها روحه، حتى تتأدب في سلوكك وتحترم الآخرين في حقوقهم ومشاعرهم؟!

هل عليك أن تكون راهباً في أحد أديرة اليونان أو بطريقاً في إنطاكية أو أسقفاً في الفاتيكان، أو ضليعاً في علم اللاهوت الكنسي، حتى تدرك قبح الخطيئة وتعيش مفهوم التوبة والاستغفار عبر طقس وسر “الاعتراف”؟!

إنني أعتقد أن هذه الأمة مغضوب عليها، سُلبت الرحمة، ونزلت بها نقمة خفية جعلتها ملعونة! ما زالت تُسكنها خسة الحضيض ولوث الضلال، وتمنعها أي نمو وارتقاء، وكل تسامٍ وصفاء!

إنها لعنة لازمت الأمة مذ أعرضت عن الحق وغصبت وارث نبيها وأزالته عن مقامه.. نزلت بها وأصابتها، وقد أطلقتها الزهراء عليها السلام عقيب مأساة وفاجعة عظمى حلت في بيت النبي بعد وفاته مباشرة.

نعم، هي لعنة فاطمة عليها السلام تطال أعداءها… فبعد أن أرجأت نزول العذاب، حين ارتفعت حوائط المسجد وعلا الغبار بعد العج… اكتفت عليها السلام بالدعاء وإعلان السخط وإرسال اللعنة:

أمَا لَعَمْري، لَقَدْ لقحَتْ، فَنَظِرَة رَيْثُمَا تُنْتِج، ثم احْتَبَلُوا مِلْءَ القَعْبِ دَماً عَبيطاً، وَذعَافاً مُبِيداً، هُنالِكَ يَخسَرُ المُبْطِلُونَ، وَيُعْرَفُ التَّالُونَ، غبَّ مَا سَنَّ الأوَّلُونَ، ثُمَّ طِيبُوا عَن دُنْيَاكُم أنْفُساً، وَاطْمَئِنُّوا للفِتْنَةِ جَأشاً، وأبْشِرُوا بِسَيفٍ صَارِمٍ، وَسَطْوَةِ مُعْتَدٍ غَاشِمٍ، وَهَرَجٍ شَامِلٍ، وَاسْتِبْدَادٍ مِنَ الظَّالِمِينَ. يَدَعُ فَيئَكُمْ زَهيداً، وَزَرْعَكُم حَصِيداً، فَيَا حَسْرَتي لَكُمْ، وَأنَّى بِكُمْ {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.

فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ منقلب ينْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ}.

وبعد قريش وخيلائها، والعرب من أتباعها وحملة روحها الطاغوتية ونفسها الشيطانية، التي أورثتها هذا الانتكاس والانحطاط…

ها نحن نرى تلك الروح المريضة تسري وتسكن في مواقع تنسب إلى التشيع والولاء!.. تشكك في مصاب الزهراء وتريد أن تضيع حقها، فينبري هذا ليسوّغ للجاحد الضال، ويقوم ذاك ليزوره ويعوده، وثالث يعزي به ويؤبّـنه، ورابع ينصره ويؤازره وينهض باحتجاجه، وخامس يلحق التشكيك بالمصاب بجحد كل دين الزهراء ومذهبها!.. وهكذا.

لست أدري كيف يعالَج هذا الداء؟ وما السبيل لإخراج القوم من هذا البلاء؟ فأنا لا أفصل هذه الروحية الشيطانية والنفسية الاستكبارية،
عن همجية الإرهاب، وشراسة نحر البشر وتقطيع الأوصال ولوْك الأكباد، ونسف المساجد والحسينيات، وتفجير المدارس والأسواق.. وأمام هذا، لا سبيل إلا أن أقتبس وأقول لهؤلاء، كما قال موسى عليه السلام لقومه:
يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ.
وأعلم أنهم لن يفعلوا.. حتى يحصدهم سيف الحجة عليه السلام (فممن يعود في الرجعة، الذين محضوا الكفر وحملوا راية الضلال) فينكّل بهم مرة بعد مرة، ويثخن فيهم، ويسقي الأرض من دمائهم حتى تروى، ثم يعودون في القيامة الكبرى حصب جهنم هم لها واردون، ثم خالدين فيها أبداً.

رأي واحد حول “المكابرة وثقافة الاعتذار… أمة لعنتها الزهراء! (١)

التعليقات