والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل

في هجاء الصعاليك الخلعاء، وقذع العلوج الأجلاف، الكلاب الممطورة، بؤر النجاسة الطريدة، ومكامن اللوث الموبوءة، عمَّـال الحداثوية، وعُصبة الإظلام بدعوى “التنوير”، أعداء الأصالة ونصَّاب النقاء والطهارة.

قمة النجاسة أن يبكي “عورة” قيَم الدين، وذروتها أن يندب حظَّها ويأسى لضياعها!..

عار و”عورة”، من منكوس رأسه إلى مرفوع قدميه، غارق في لوث العمالة والارتزاق، وتعظيم ورثة الزيغ والغي والابتداع، مطوَّق بممارسة الشذوذ والجنوح وسقوط الأخلاق، حتى طُرِد من مدرسة الضلال (المعهد الشرعي الإسلامي)، و”ويل لمن كفَّره نمرود”، والشهود أحياء، والضحية في ركن الانزواء.. وما انفك الخبيث يرمح، أو يشْغَر، والشغر رفع الكلب إحدى رجليه ليبول في أصل الشجرة أو الجدار، فحقَّ أن يُنادى: “هجاجيك”، وهو زجر للكلب، معناه كُفَّ!

وقد يُقال: مالَك وهذا الوضيع؟! فقوْله كبوْله، بل كقَزْحِه، دع الأبقع يلهث، واتركه يوَعْوِع وينبح، فيحسب عظْمة يُلقيها إليه سيِّده عظَمة، وأسمالاً رثَّة يخلعها عليه عباءة وجُبَّة! إنه أحقر من قُلامة، وأهون من أن يُرى أو يُلحَظ، وإذا الكلب لا يؤذيك غير نباحه، فدعه إلى يوم القيامة ينبح.

والحق أنَّ هذا المنكوس لا يعنيني، لا في شخصه، ولا في فكره، ولا في تمثيلياته واستعراضاته، فقد سقط ـ ولله الحمد ـ منذ أمد، وما عاد يؤثر حتى في نثار مسحوق التَلْك، وبقايا تفترش دكَّة دُلكت عليها مؤخرة التهبت لرضيع مقمَّط.. إنما يعنيني مَن يحتَرِشه ويَـهْـتِـشه، يرسله ليهجَّ هنا، ويمسِك بإربَة قلادته، فينبِضه ليخسأ هناك، والنبيض أن يدعو الرجل كلبه، وهو يضم شفتيه، فيُسمِعه صوت حنجرته ومكتوم حشرجته!

سطر مناحته على تعديد “مثالب” الشيعة والطعن عليهم في شعائرهم، من مآتم وزيارات، وسيرة ومعتقدات، وقد استثاره أخيراً وأمضَّه عظمة إحياء الأيام الفاطمية برواياتها الثلاث، والوجه عندهم دائماً وأبداً في المغالطة السفهائية والمصادرة التهريجية: ماذا بعد؟ ها قد بكينا ولطمنا وزُرنا، ثم ماذا؟ وهو السؤال الذي يتوجَّه لكل مسلم، والطعن الذي ينال كل شعيرة وحتى عبادة فردية، فيقال: ها قد صلينا وصُمنا وحججنا، ثم ماذا؟ وماذا بعد السعي والطواف، وقبل الوضوء والأذان، وأين أخذتنا تلاوة القرآن؟ هذا غاية ما يحسنون ونهاية ما يسعهم ويطيقون، فهم أصفار في حقل الحوار العلمي الجاد، وأعدام في الاحتجاج، وهباء في عالم الدليل والبرهان، لذا يهربون إلى خطاب العوام، ويغيِّبون ما استطاعوا العقل ويقتلون الأفهام.

والأمر لا يقف عند شخص بعينه ولا يختصُّ بفرد دون غيره، فهو سيان، فبعد “عورة” الفجور في “قناة الإيمان”، يتكرر المشهد في “الكوثر” عبر “أخوَان”، الذي نعرفه أستاذ أدبيات، نحو وصرف وبلاغة، بهذا اشتغل عمره كله، بين تحصيلها وتدريسها، لم يحضر على المشايخ غيرها ولا ألقى على الطلاب سواها، وفجأة نراه يلج أكثر الساحات حساسية، ويخوض في أشدِّ القضايا تعقيداً ودقة، بلا مؤونة ولا بضاعة، ولا حتى أدنى وقار وكياسة، فيُنكر الإعجاز ويجحده بدليل القياس، ويُبطل الأحاديث بعجزه عن استيعابها وقصوره في الجمع بينها، يزعم التضاد أو التناقض من شُبهة التعارض، والأهم الأخطر في ذلك، جَزمه وقَطعه وحسمه وبتَّه، وكأنه تلقى البارحة وحياً، أو فرغ لتوِّه وأفاق من مكاشفة تجلِّت له فيها الحقائق، وعاد من جولة اطَّلع فيها على اللوح المحفوظ! ولو تمعنت في عمامته السلطانية ولفِّتها العثمانية، و”علاء” السمج الثقيل يحاوره في طهران، لرأيت عياناً كيف تقطر الحماقة، وينساب الخرْق والسفَه، ويلوح الخوَر والأفن، وأنَّ الرجل يقبع في قرارة الهوج، ويربض في قعر الغباء وقاع الخطل، فاكٌّ تاكٌّ! لا ينقصه إلا مزيد من إرسال لحيته، وخاتم يناهز فصَّه قبضته.

ويأتيك الثالث من “فدك” والرابع من “القمر” في بريطانيا العظمى، مراجل تغلي على الحوزة والمرجعية، تضطرم بأحقاد بدْرية وحُنينية (من طرد المتمرجعين وعدم الاعتراف بالأدعياء المتوغلين)، تنفث صديدها من قيح صدورها، وتَلحقهم الرابعة من “الميادين” وفحيح الثعابين، يتبجَّح بها “أبوزكريا” ويتنطَّع، فيحمل رأس يحيى إلى “سالومي” الدرهم والدينار.. قنوات فضائية انتحلت أسماءً مقدَّسة، والحق أن تكون أسماؤها: قناة النفاق، ومهل وحميم، والسقيفة، والخسوف، وسرقة الملايين.

إنها نماذج مفضوحة، وعناصر مهانة مخزية، لا أحد يصدِّق هؤلاء ولا أخرق يؤمن بهم، حتى البغال المحيطة بالقوم، والقطعان الرابضة حولهم، يجارونهم من آفاق الأهواء التي يلتقون عليها، في تخفيف قيود الأحكام، والميوعة في الهوية التي تفسح لهم في العلاقات، وتحقِّق لهم المصالح الخاصة وتبلغ بهم من دنياهم الغايات، وإلا فليس في هذه المنظومة السوداء إلا تخريص وهذر وهراء، فإذا انخدع غِرٌّ وألتبس الأمر على ساذج، ترى المؤمن الطاهر لا يلبث أن يرعوي، ولا يطول أن يرجع ويعود، وأنا شخصياً أعرف أحد المخدوعين بهم، والمغترِّين بزخرفهم، والمتأثرين بترَّهاتهم، رأيته في إحدى العتبات المقدسة، وقد ألقى نفسه وعاش “فتلافني يا سيدي ومولاي وأدركني” معايشة صادقة ناطقة، وراح، وقد غرق في دموعه وشكواه، يحاول أن يربط وشاحاً عقده على عنقه بحلق الضريح الشريف، فقد ابتلاه الله بما لم يجد له خلاصاً إلا هناك، وهل يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه، وهل يجيره من سخطه أحدٌ سواه؟

ولكن يبقى السؤال المحيِّر: من يقف وراء هؤلاء؟!

من المعلوم أن لكل منظومة سياسية، “عناصر قلق” و”عوامل اضطراب وشغب” تستخدمها لأهداف وتوظفها في أداء. أفراد من السفلة اللئام، الأخساء الأوغاد، يتلوَّنون بموجة العرض والطلب، ويلبسون زي العرس والمرحلة، لا يحملون هوية، لا يعوقهم عن الرذيلة شرف، ولا يحول دون وقوعهم في العار كرامة، مهرِّجون يثيرون الساحة الإيمانية، واستعراضيون يخلقون الاضطراب في العلاقات الإخوانية، عابث ينكئ الجراح كلَّما اندملت، وخليع يهيِّج الخلافات كلَّما سكنت، وماجن يرقص على أنغام الفتنة كلَّما خبت وانطفأت. وجوه كاسفة كالحة، وأنفسٌ معقَّدة سقيمة، وأرواح موبوءة مريضة، لا تلتقي على شيء ولا يجمعها إلا تشويه التشيع بعقائده ومعالمه وشعائره، ومرتزقة يستأكلون بالطعن في تراثه ومبانيه العلمية وطرق استدلاله. صراع حمائم وصقور بين ورثة الضال المضل فضل الله، يدفع لتعويم “العورة” واللعب به ورقة تقطع الطريق على صعود نجم هذا، وتستدرك خمود نار ذاك. وبديل يجري إعداده بعد هلاك فضل الله وسقوط الحيدري، لتبقى خيام العهر الفكري منصوبة، وراياتها الحمراء ترفرف في سمائهم خفَّاقة، وحرب شعواء ما زالوا يمدُّونها بالعديد والعدَّة، ويغدقون عليها الأموال ويبدِّدون فيها ويهدرون الطاقات…

ترى من يقف وراء هؤلاء غير الشيطان الرجيم؟

من الذي ينتفع من هذا الانشغال والاحتراب غير إبليس اللعين؟

ابحثوا عن اليد الشيطانية التي تكلؤهم، والخزينة التي تمولهم، والأحزاب التي تحميهم وتذود عنهم، والجماعات التي تنهض باحتجاجهم وتبرِّر لهم… ستراهم يلتقون عند شخص بعينه وينتهون إلى مكان واحد دون غيره.

كل ما أرجوه الآن، أن لا يبلغ التمادي حدوداً تجبر العاملين في ساحة الدفاع عن المذهب على التصريح، واتخاذ سبيل المواجهة العلنية، وكشف اسم اليد التي تخرج من الكم الخفية، وتوجيه السهام من بعدها إليه مباشرة… لا هنا ولا هناك.

التعليقات